بعد أن كان متوقعاً حصر التنافس على موقع رئيس الجمهورية، بين الرئيس الحالي حسن روحاني ومرشح المحافظين ابراهيم رئيسي الذي يتمتع بدعم المرشد الأعلى، أتت المفاجأة غير المتوقعة من الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد بخلطه جميع الاوراق، وتسجيل نفسه على قوائم المرشحين للانتخابات، رغم أن خامنئي نصحه قبل حوالي العام بعدم خوضها، وقبوله تلك النصيحة، ورأى البعض في خطوته هذه تحدياً للمرشد الأعلى، والبعض الآخر قال إنها ربما جاءت بالتنسيق معه.واتفق خبراء من مشارب مختلفة بأنه أنهى مستقبله السياسي في الحالين، وباعتباره من تيار المحافظين فإنه سيُنافس خمسة مرشحين مُحتملين حتى الآن أبرزهم رئيسي.
صحيح أن نجاد يتمتع بشعبية لا بأس بها في الأرياف، لتواضعه وانتسابه إلى اسرة فقيرة، وعيشه حياة متقشفة، وسكنه في بيت بسيط، وكان في معظم الأوقات يرتدي البزة البنية نفسها، عندما كان رئيسا لإيران لفترتين. لكن من الصعب الوثوق بالرأي القائل إنه قرر تحدى المرشد الأعلى، وكسر كلمته، والترشح للرئاسة رغماً عنه، فهو كان في أعلى هرم السلطة ويعرف آلياتها، ويدرك قوة المرشد الأعلى ونفوذه، وهو ربما اعتمد على انتقاده أداء حكومة روحاني الاقتصادي وبعض بنود الاتفاق النووي، وعلى المُتغيرات المتسارعة منذ تولّي ترامب رئاسة الولايات المتحدة، والتي ربما دفعت المرشد للعودة عن نصيحته السابقة، لأن المرحلة المقبلة بحاجة إلى رئيس إيراني قوي يقف في مواجهة إسرائيل وأميركا، وبعض الحكومات العربية المتحالفة معهما.
ولكن ماذا عن رئيسي؟ الذي اتكأ على دعم المرشد وترشح قبل مفاجأة نجاد، وظن أن المنافسة ستكون ثنائية مع روحاني، باعتباره مرشح التيار المحافظ في مواجهة مرشح تيار الاصلاحيين، فاستقال من عضوية الهيئة المركزية للإشراف على الانتخابات وهو من ضمن الدائرة المقرّبة من المرشد والحرس الثوري، وقد صعد نجمه تدريجياً، في الآونة الأخيرة، وخصوصاً بعد توليه “سدانة العتبة الرضوية”، وهي من أكبر وأثرى المؤسسات الخيرية في العالم الإسلامي وإيران. وكان المراقبون يرون فيه المنافس الأقوى لروحاني فيما اعتبر آخرون أن فرصته ضعيفة لعدم امتلاكه خبرة كافية في المناصب التنفيذية الحكومية، برغم أنه شغل سابقاً منصب النائب العام للبلاد، ونائب رئيس السلطة القضائية.
التيار الإصلاحي الذي يتبنى روحاني، سيطرح معه مرشحاً أو أكثر، للعب دور داعم له خلال الحملة الانتخابية، على أن ينسحبوا قبيل عمليات التصويت، لتجيير الأصوات لمصلحته، وهذا تكتيك وضع أسسه الراحل رفسنجاني، عندما دعم وصول روحاني للرئاسة بانسحاب المرشح الإصلاحي محمد رضا عارف، ويسعى روحاني لكسب فئة الشباب بكل الوسائل، ومنها نشره لصورته مع فتاتين وشاب مُمارساً هواية السير فوق الثلوج. ولقيت خطوته ردود فعل متباينة، رحب بها الإصلاحيون وهاجمها التيار الأصولي باعتبارها رسالة موجهة للغرب، مفادها أن نجاحه يعني تغيير طبيعة النظام، ويُسهم في تغريب الهوية الإيرانية الإسلامية، ورغم ما نعرف من مماحكات إعلامية خاضها مع المرشد الأعلى، لشعوره بأنه بات رمز التيار الإصلاحي بعد رحيل رفسنجاني. ما يثير تكهنات بأن يعمل خامنئي على إبعاده والاطاحة به، إما مبكرا عبر الإيعاز إلى مجلس صيانة الدستور بعدم السماح له بالترشح، وإما عن طريق نقل الانتخابات إلى جولة ثانية، كما حدث عام 2005 بين نجاد ورفسنجاني.
اعتاد الإيرانيون أن يحكم رئيس الجمهورية لولايتين، وشذ عن ذلك أبو الحسن بني صدر، الذي عُزل قبل إتمام ولايته الرئاسية عام 1980، واغتيال الرئيس محمد علي رجائي في العام نفسه. لكن ذلك لا يعني أن روحاني لا يواجه تحديات قاسية، أبرزها الضربة القوية لحظوظه بالفوز وفاة داعمه رفسنجاني، وهو أهم مهندس للانتخابات، واللاعب الأقوى في التوازنات لمختلف الفئات السياسية والاقتصادية والأحزاب، وأدى غيابه اليوم لفقدان الإصلاحيين رجلاً استطاع تدوير الزوايا بحنكة سياسية مشهودة، وبقدرة عالية على القفز فوق الحواجز، من دون المساس بموقعه ومراعاته لقواعد اللعبة السياسية الإيرانية وتراتبيّة الحكم، غير أن الواضح أن أتباعه سيقفون مع روحاني، ودعمه لنيل دورة رئاسية ثانية.
وعموماً فإن مياهاً كثيرة ستجري تحت الجسور حتى موعد الانتخابات، ولكن علينا تذكر أن شعارات وأفكار المرشح الرئاسي المُعلنة قبل الانتخابات، ليست هي ما يؤهله ليكون الفائز لتنفيذ السياسات الداخلية والخارجية المُعدّة مسبقاً، وبمعنى أن الرئيس الإيراني لا يضع أو يصنع سياسات إيران الكبرى والمصيرية، بل إن عليه تبني ما هو مُقرٌ مسبقاً ليكون مناسباً للموقع.
مقالات اخرى للكاتب